مصطفى جناح
في زمن كانت فيه الحلقة نافذة للفرجة الشعبية، وشكلًا فنيًا يُجسد نبض الشارع، سطع نجم الفنان الشعبي خليفة، الذي اعتبره كثيرون من روّاد هذا الفن الأصيل، لما كان يتمتع به من حضور قوي، وموهبة عفوية جذبت إليه جمهورًا واسعًا من مختلف الأعمار.
كان خليفة يقطن بحي درب الكبير في مدينة الدار البيضاء، وهو حي شعبي عرف بولعه بالفنون الشفوية وباحتضان عدد من الوجوه الثقافية والفنية. ومن هناك، بدأ يخط أولى خطواته نحو فن الحلقة، متنقلًا بين الأحياء والأسواق بحثًا عن الجمهور والتفاعل المباشر.
ومن أبرز محطاته المنتظمة، حي سباتة وبالضبط “القريعة”، حيث اعتاد أن يقيم حلقاته وسط زحام الباعة والمرتادين، ناشرًا الفرح بكمنجته الصغيرة وابتسامته الدافئة، مجسدًا بذلك شخصية الفنان الشعبي القريب من الناس، المتفاعل مع همومهم اليومية بلغة بسيطة ومرحة.
كما كان حاضرًا بقوة أيضًا في سوق الاثنين بمدينة برشيد، إلى جانب عدد من الأسواق الأسبوعية في نواحي البيضاء، مثل سوق الأربعاء، وسوق السبت، وسوق الخميس، حيث كانت هذه الفضاءات تمثل منصات حقيقية لفناني الحلقة لعرض مواهبهم والتواصل المباشر مع الناس.
تميّز خليفة بقدرته على المزج بين الموسيقى والضحك والسرد الشعبي، ما جعله يحتل مكانة خاصة ضمن جيل ذهبي لفناني الحلقة في المغرب، إلى جانب أسماء شهيرة مثل خليفة بوغطاط، وولد قرد، والثنائي لمسيح، الذين شكلوا معًا ملامح مرحلة مهمة من تاريخ الحلقة الشعبية في السبعينيات والثمانينيات.
رغم تواضع الإمكانيات آنذاك، استطاع خليفة أن يصنع له اسمًا كبيرًا في الساحات والأسواق، دون أن يحتاج إلى خشبة مسرح أو عدسة كاميرا. كان المسرح بالنسبة له هو الشارع، والجمهور هو الناس البسطاء الذين يجدون في أدائه متنفسًا ومرآة تعكس واقعهم اليومي.
اليوم، وبعد رحيله، لا يزال اسمه يُذكر بكل تقدير، ويعود إلى الواجهة كلما ذُكر تاريخ فن الحلقة في المغرب، كواحد من الذين أسسوا لهذا اللون الفني العريق، وساهموا في حفظ الموروث الشعبي الشفهي والفني عبر عروض حية كانت تجمع بين الترفيه والنقد والتوثيق الاجتماعي.
فنان مثل خليفة لا يُمكن أن يُختزل في سيرة، بل هو جزء من ذاكرة شعبية حية، تحتاج إلى التوثيق والدراسة، بل وإعادة الاعتبار لفن الحلقة كركيزة من ركائز الثقافة المغربية الأصيلة.
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=47016
