في قلب الجدل، تقف شركة “كاتاليست ماينز إنك” الكندية، التي أعلنت عن نتائج وصفتها بـ”الاستثنائية” في منطقة سيروا الجبلية، الواقعة بين ورزازات وتاليوين على مشارف الأطلس الكبير. تؤكد الشركة أنها عثرت على مكامن ضخمة لمعادن الكروم والنيكل والكوبالت، وهي ثلاثة معادن استراتيجية بالغة الأهمية لمسيرة التحول الطاقي العالمي. القيمة المحتملة لهذه الثروات؟ رقم فلكي يقدر بـ 60 مليار دولار.
منذ ذلك الحين، انتشرت التكهنات كالنار في الهشيم، وتحرك المنتخبون المحليون، بينما يطرح السكان تساؤلات مشروعة. على الأرض، ذاع الخبر بسرعة، غذته وسائل التواصل الاجتماعي وتقارير إعلامية متخصصة تتحدث عن “اكتشاف تعديني ذي بعد قاري”.
صمت حكومي مريب وتحرك برلماني لافت
في المقابل، التزمت الحكومة المغربية صمتًا مطبقًا، وهو ما دفع النائب البرلماني عدي الشجري، عن حزب التقدم والاشتراكية، إلى كسر هذا الصمت. تقدم الشجري بسؤال كتابي في البرلمان، موجهًا إلى وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، يطالب فيه بـ”توضيحات عاجلة”. وأشار النائب في رسالته إلى “معلومات متواترة تتناقلها وسائل الإعلام والسكان المحليون” بخصوص هذا الاكتشاف الجيولوجي المزعوم. وتساءل عما إذا كانت الحكومة تؤكد وجود هذه المكامن، وعن الاستراتيجية التي يعتزم الجهاز التنفيذي تبنيها للاستفادة منها، سواء لتعزيز السيادة التعدينية الوطنية أو لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة عانت التهميش طويلاً.
وقد صرح الشجري للصحافة البرلمانية قائلاً: “لا يمكننا أن ندع مثل هذا الإعلان يتحول إلى سراب، أو أسوأ من ذلك، إلى مضاربات تخدم مصالح خاصة. على الحكومة إطلاع المغاربة على حقيقة الأمر وضمان الشفافية في هذا الملف الاستراتيجي”.
وكانت شركة “كاتاليست ماينز إنك”، وهي شركة كندية لا تزال غير معروفة بشكل واسع لدى الجمهور المغربي، قد أعلنت من تورونتو في 25 أبريل الماضي عن تحديد “تركيزات ملحوظة من الكروم” في رخصة التعدين الخاصة بها بمنطقة “أماسين” في سيروا. الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للسلطات المغربية هو إشارة الشركة أيضًا إلى “مؤشرات مهمة على وجود الكوبالت والنيكل”، وهما معدنان لا غنى عنهما اليوم في صناعة البطاريات والمركبات الكهربائية والطاقات المتجددة. وفي بيان نقلته عدة وسائل إعلام كندية، أشادت إدارة “كاتاليست ماينز” بـ”الإمكانات الهائلة” للموقع، مؤكدة أن هذا المزيج من المعادن يمكن أن يضع المغرب ضمن العمالقة الأفارقة المستقبليين في مجال المواد الأولية الاستراتيجية، إلى جانب جمهورية الكونغو الديمقراطية بالنسبة للكوبالت وجنوب أفريقيا بالنسبة للكروم.
الحكومة تراوغ والخبراء يحذرون من الغموض
حتى هذه اللحظة، لم يصدر أي تأكيد رسمي من السلطات المغربية. واكتفى مصدر من وزارة الانتقال الطاقي، عند الاتصال به، بالقول إن الوزارة تتابع “باهتمام تطور رخص التعدين في هذه المنطقة”، وأن تقييمًا “علميًا وتنظيميًا” يجري حاليًا.
هذا الغموض يثير حفيظة بعض المراقبين. يحلل متخصص في قطاع التعدين المغربي، فضل عدم الكشف عن هويته، قائلاً: “للحكومة مصلحة كاملة في رفع الحجاب بسرعة عن هذه القضية. فاكتشاف بهذا الحجم لا يمكن أن يبقى طويلاً دون إطار سياسي واقتصادي واضح”. ويُذكّر بأن الاستغلال التعديني يخضع لإطار قانوني صارم في المغرب، وأن أي شركة أجنبية يجب أن تمتثل لمتطلبات المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن (ONHYM) والسلطات المحلية.
سيروا: بين مطرقة التهميش وسندان آمال التنمية
تقع منطقة سيروا في منطقة قاحلة ومتواضعة النمو، وتكافح منذ عقود للخروج من عزلتها. ورغم شهرتها بزراعة الزعفران وحرفها الأمازيغية التقليدية، إلا أنها تظل واحدة من أكثر المناطق حرماناً في الجنوب الشرقي المغربي. البنية التحتية محدودة، والفرص الاقتصادية نادرة، والشباب المحلي غالبًا ما يضطر إلى الهجرة نحو المدن الكبرى أو الخارج.
بالنسبة لمنتخبي المنطقة، يمكن أن يشكل استغلال تعديني مسؤول فرصة تاريخية للنهوض. لكن الوعود السابقة تدعو إلى قدر من الحذر. يحذر منتخب محلي من إقليم ورزازات: “لقد شهدنا الكثير من الإعلانات التي لم تر النور. هذه المرة، يجب على السلطات إشراك السكان، وضمان عائد اقتصادي محلي، وتجنب رحيل الموارد دون مقابل للسكان”.
هل يصبح كنز سيروا رافعة استراتيجية للمغرب؟
بعيدًا عن الرهان الإقليمي، يمكن لهذا الاكتشاف، إذا تم تأكيده، أن يعزز الاستراتيجية التعدينية للمغرب، الذي يتمتع بالفعل بمكانة جيدة على الساحة العالمية بفضل احتياطياته من الفوسفاط. المملكة، التي تسعى إلى تنويع مواردها الاستراتيجية، لا سيما في المعادن الحيوية للصناعات المستقبلية، سترى في سيروا رافعة إضافية لسيادتها الصناعية.
وفي مذكرة داخلية تم الاطلاع عليها، يؤكد مستشار وزاري أن “الكروم والكوبالت والنيكل هي أعمدة سلسلة القيمة لبطاريات السيارات الكهربائية، وهو قطاع يعتزم المغرب تطويره ليصبح مركزًا صناعيًا أفريقيًا وأورو-متوسطيًا”.
التحديات البيئية والاجتماعية: مخاوف مشروعة
تبقى قضية التأثير الاجتماعي والبيئي لمثل هذا المشروع حساسة. فمنظمات المجتمع المدني المحلية وجمعيات حماية البيئة تعرب بالفعل عن قلقها من مخاطر استغلال غير منضبط، على غرار الجدل الذي هز مواقع تعدينية أخرى في المغرب في السنوات الأخيرة. تلوث الفرشة المائية، تدمير المناظر الطبيعية، وغياب الفوائد الملموسة للمجتمعات المحلية: الانتقادات جاهزة سلفًا.
أمام هذه التحديات، تجد الوزيرة ليلى بنعلي، التي تتعرض أصلًا لانتقادات بشأن إدارة خط أنابيب الغاز النيجيري-المغربي واستراتيجية الطاقة للمملكة، ملفًا حساسًا جديدًا يُضاف إلى جدول أعمالها. ولم يستبعد النائب الشجري المطالبة بجلسة استماع برلمانية إذا تأخرت ردود الوزارة.
وفي البرلمان، يرى البعض في هذه القضية اختبارًا لشفافية الجهاز التنفيذي، في سياق يطالب فيه المجتمع المدني والمنتخبون الإقليميون بمزيد من المشاركة والإنصاف في إدارة الموارد الطبيعية.
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=44990